دنيا ودين

مراسل مصر:حكم الزواج لمن فيه شبهة إرضاع بين المخطوبين .. الإفتاء تجيب

حكم الزواج لمن فيه شبهة إرضاع بين المخطوبين.. سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال البث المباشر عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، حيث يقول: هناك رضاع بيني وبين خطيبتي، وذهبنا إلى دار الإفتاء، لكن هل هناك شبهة تحريم لو أكملت الزيجة؟، وهل يتعارض الزواج مع قول النبي: “دع ما يريبك”.

 حكم الزواج لمن فيه شبهة إرضاع بين المخطوبين

وقال الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن مسألة الرضاع لا تتعلق بكما بل بالمرضعة، ونحن في دار الإفتاء لا نجيب في مسألة الرضاع إلا في وجود المرضعة نفسها، وهي من المسألة التي لا نكتفي بأمين فتوى واحد لخطورتها.

وتابع: “لو كان المقصود أنكم أتيتم إلى دار الإفتاء فاطمئنا، ولو ذهبتما إلى مكان آخر فعليكم مراجعة دار الإفتاء”.

ما الحكم لو طُلِّقت امرأة وهي ما زالت تُرضِعُ ابنها من هذا الزوج، وبعد انقضاء عدتها تزوجت من رجلٍ آخر، ثم بعد زواجها من الثاني وقبل أن تحمل منه قامت بإرضاع طفلٍ أجنبيٍّ مع ابنها من الزوج الأول، فأيّ واحد من الزوجين يكون أبًا لهذا الطفل الأجنبي من الرضاع الزوج الْمُطلِّق أم الزوج الحالي؟، وهل يتغير الحكم إذا حملت من زوجها الثاني أثناء الرضاع؟

قالت الإفتاء، إن الطفل الذي أرضعته هذه المرأة مع ابنها من الزوج الأول بعد زواجها من الثاني، هو ابنٌ من الرضاع للزوج الأوَّل، إذا أرضعته في مُدَّة الرضاع الشرعية وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن ولادته؛ سواء أكان هذا الرضاع قبل حملها من الثاني أم بعده، وذلك حتى الولادة من الثاني، وتسري على الأبوة من الرضاع أحكامُ الأُبوَّة من النَّسَبِ، ولا محرميَّة بالرضاع بين الطفل المذكور والزوج الثاني.

وتابعت: المقرَّر شرعًا أنه يَحرُمُ مِن الرضاع ما يَحرُمُ مِن النسب؛ مَتَى وقع الرضاع في مُدَّتِهِ الشرعية، وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة على المُفتى به؛ إذ بالإرضاع تَصير المرضِعةُ أُمًّا مِن الرضاع لِمَن أرضعَته، ويحرم بهذا الرضاع على أصولها وفروعها، ويصير جميعُ أولادها -سواء منهم مَن رضع معه أو مَن هُم قبله أو بعده- إخوةً وأخواتٍ له من الرضاع؛ يدل على ذلك قول الله تعالى في بيان المحرمات من النساء: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: 23]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» متفقٌ عليه.

وبينت أن الحرمة كما تثبتُ للمُرضع، تثبتُ أيضًا لزوجها بالاتفاق؛ فيصير زوج المرضعة أبًا من الرضاع لمن رضع من زوجته؛ لأن اللبن منهما معًا؛ حيث حصل من بطنها وظهره من حين وطئه لها.

قال شمس الدين المنهاجي (ت: 880هـ) في “جواهر العقود” (2/ 163، ط. دار الكتب العلمية): [اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تعالى على أَنه يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب] اهـ.

قال الإمام القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (5/ 116، ط. دار الكتب المصرية): [وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب بالإجماع المستند إلى قوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»] اهـ.

وقد اختلف الفقهاء في مسألة التحريم بالرضاع في جانب الزوج إذا طُلِّقت المُرضعة من زوجها ثم تزوجت من غيره بعد انقضاء عدتها ثم أرضعت طفلًا أجنبيًّا بعد زواجها من الثاني وقبل إنجابها منه، وهذا الخلاف بينهم راجعٌ إلى تحديد أيٍّ من الزوجين هو السبب في نزول اللبن أو استمرار نزوله؛ وذلك على التفصيل الآتي:

فذهب الحنفية إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل ما لم تحمل من الزوج الثاني، ونقلوا الإجماع في المذهب على ذلك؛ باعتبار أن اللبن قد نزل بسبب الأول، فلا يزول حكمه بزوال النكاح، فإن حملت من الثاني فالتحريم ثابتٌ كما هو للأوَّل عند أبي حنيفة حتى تلد وهو المعتمد في المذهب، وعند أبي يوسف كذلك ما لم يُعرف أن استمرار نزول اللبن إنما هو بسبب الثاني ويعرف ذلك بغلظة اللبن عمَّا كان عليه قبل الحمل، وعند محمد يثبت التحريم للاثنين بمجرد الحمل حتى الولادة، فإن ولدت فالتحريم للثاني دون الأول عندهم جميعًا؛ قال العلامة الموصلي في “الاختيار لتعليل المختار” (3/ 119، ط. الحلبي): [رجل طلَّق امرأته ولها لبن، فتزوجت آخر وحبلت، ونزل لها لبنٌ: فهو للأول ما لم تلد. وقال أبو يوسف: هو منهما إلا أن يعرف أنه من الثاني، وإنه يعرف بالغلظ والرقة. وقال محمد: هو منهما ما لم تضع، فإذا وضعت فمن الثاني.. وأبو حنيفة يقول: هو من الأوَّل بيقين، ووقع الشك في كونه من الثاني، والشك لا يعارض اليقين، فإذا ولدت تَيَقَّنَّا أنه من الثاني، ولا اعتبار بالغلظ والرقة؛ لأن ذلك يتغير بتغير الأحوال والأغذية] اهـ.

وذهب الشافعية إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل؛ سواء زاد اللبن أو نقص، انقطع أو لم ينقطع، حتَّى وإن حملت المُرضِع من الثاني، وذلك ممتدٌّ إلى الأوان الذي يحدث فيه اللبن عادةً بسبب الحمل، فإن آنَ هذا الأوان فالتحريم يثبت للثاني دون الأول؛ قال الإمام النووي في “روضة الطالبين” (9/ 18، ط. المكتب الإسلامي): [أما قبل الولادة من الزوج الثاني: فإن لم يصبها، أو أصابها ولم تحبل، أو حبلت ولم يدخل وقت حدوث اللبن لهذا الحمل: فاللبن للأول؛ سواء زاد على ما كان أم لا، وسواء انقطع ثم عاد أم لا] اهـ.

وذهب الحنابلة إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل وإن حملت من الثاني، ما لم يزد لبنها بسبب هذا الحمل، فإن زاد بسبب الحمل فالتحريم ثابت لهما معًا بشرط أن تكون الزيادة في أوانها، فإن كانت في غير أوانها فالتحريم ثابت للأوَّل دون الثاني؛ قال العلامة المرداوي في “الإنصاف” (9/ 350، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ولو تزوج امرأةً لها لبنٌ من زوجٍ قبله فحملت ولم يزد لبنُها فهو للأول، وإن زاد لبنُها فأرضعت به طفلًا صار ابنًا لهما) بلا نزاع، وعليه الأصحاب، لكن إن كانت الزيادة في غير أوانها فهو للأول بلا نزاع، وكذا لو لم تحمل وزاد بالوطء] اهـ.

بينما ذهب المالكية إلى ثبوت الحرمة بالرضاع للاثنين ما لم ينقطع اللبن، فإن انقطع ثم نزل فإن التحريم بالرضاع يثبت للثاني دون الأول؛ قال العلامة ابن عبد البر في “الكافي” (2/ 541، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [واللبن من الرجل قبل الفصال وبعده، ما لم تنكح المرأة، فان نكحت ولم ينقطع لبنها حتى ولدت من الآخر فاللبن منهما جميعًا، والحرمة به ثابتة بين المرضع وبين الزوجين جميعًا ما لم ينقطع الأول] اهـ.

وقال العلامة الدردير في “الشرح الكبير” (2/ 504، ط. دار الفكر): [(و) لو تأيَّمت وفي ثديها لبن من الأول ووطئها ثانٍ وأنزل (اشترك) الزوج الثاني (مع) الزوج (القديم) في الولد الذي أرضعته بعد وطء الثاني] اهـ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى